يؤكد معظم التربويين على أن التعلم بالعمل أو التعلم بالخبرة يؤدي بالطلبة إلى تعلم أفضل. فكيف يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية عملياً؟ وما هي الأفكار والنظريات التي تدعم هذه الاستراتيجية؟ وهل يتعلم جميع الطلبة بالعمل بنفس الطريقة وإلى نفس المدى؟ وما هي الطرق والأساليب التعليمية التي يمكن استخدامها لتطبيق استراتيجية التعلم بالعمل؟
هنالك طريقة واحدة لتتعلم كيف تعمل شيئاً ما، وهي أن تقوم بعمله. فمثلاً إذا أردت أن تتعلم كيف تقذف بالكرة أو تقود سيارة أو تصمم مبنى أو ترسم أو تعزف أو غير ذلك من المهارات فيجب عليك أن تقوم بعمل ذلك فعلياً. ولو قرأت جميع الكتب والدوريات وكل ما كُتب عن رياضة كرة القدم فلن تصبح لاعباً إلا عندما تلعب. وقد يبدو الأمر سهلاً عند القراءة عنه، وهو كذلك من الناحية النظرية، ولكن ممارسة العمل هي التي تجعله أسهل وأفضل. وعلى مر الزمن كان الشباب اليافعين يتعلمون الحرف المختلفة على أيدي صناع ماهرين ليصبحوا بدورهم ماهرين في حرفتهم. ونحن ندرك بأن تعلم مهارة معينة يعني القيام بتلك المهارة بأيدي المتعلم نفسه. والآباء في المنزل يعلمون أبناءهم بنفس هذه الطريقة؛ فهم لا يقومون بتقديم سلسلة من المحاضرات لأطفالهم لكي يعلموهم المشي والكلام والقفز والتسلق ولعب الألعاب أو كيف يتصرفون. بل هم ببساطة يدعون أطفالهم يقوموا بعمل تلك الأشياء. فمثلاً يقوم الأب بمناولة الكرة للطفل ليعلمه كيف يرميها. وإذا أخطأ في رميها فهو يدعه يقوم بعمل ذلك مرة أخرى.
وبعكس التعلم بالعمل يقوم الأسلوب التقليدي في التعليم على حفظ المعلومات وتذكرها من خلال أساليب التلقين والمحاضرة، وعلى تعليم الطلبة عن المهارات وليس المهارات نفسها؛ ربما لأنه يصعب تطبيق الكثير من المهمات عملياً، فيجد المعلمون أنه من الأسهل عليهم إلقاء المحاضرات وإعادة تلقين نفس المعلومات للطلبة سنة بعد أخرى، وعلى تجزئة المفاهيم والمهمات وتعليم كل منها بشكل منفصل. وكل ذلك يؤدي إلى آثار تربوية سلبية على عملية تعلم الطلبة ويفقدها المتعة والدافعية، ويجعل منها عملية صعبة ومملة وغير مترابطة. أما المطلوب فهو أن يتعلم الطالب الحقائق بنفس الطريقة التي يستعمل فيها هذه الحقائق، وأن يتم تعليم المواد الدراسية جميعها وبخاصة المجردة منها والجامدة من خلال الخبرة الحسية لأن هذه الخبرة تعمل على إثارة الدوافع الداخلية للمتعلم.
دورة كولب التجريبية للتعلم:
ومن الأمثلة العملية لتطبيق استراتيجية التعلم بالعمل ما يلي:
• المختبرات والمشاغل: من المهم قيام جميع الطلبة بالتجارب المخبرية والأعمال اليدوية بدلاً من مراقبة المعلم أو أحد الطلبة يقومون بذلك. فبدلاً من تعليم الطلبة عن الزراعة ينبغي أن يقوم كل طالب بتطبيق هذه المهارات مما يعلم الطالب بشكل أفضل ويؤدي إلى تحسن تحصيله ورفع علاماته. كما أن العمل اليدوي وضمن مجموعات في المختبرات والمشاغل يساهم في تعلم الطلبة مهارات الحياة وكيفية التعامل مع الآخرين والمهارات اليدوية المختلفة.
• برامج المحاكاة: هنالك مهارات عملية كثيرة يكون أداؤها خطيراً أو مكلفاً بحيث لا يمكن للطلبة القيام بها مثل قيادة طائرة أو السفر عبر القارات والمحيطات. لذلك يمكن القيام بمحاكاة هذه المهارات من خلال برامج حاسوب خاصة بالمحاكاة. وتوفر برامج المحاكاة للطلبة المتعة والدقة في أداء المهارات، وهي من أكثر الطرق الفاعلة للتعلم بالعمل. ومن الأمثلة على التعلم بأسلوب المحاكاة في دروس الجغرافيا أن يقوم الطلبة برحلة عبر الكمبيوتر داخل قارة معينة، وكلما وصلوا إلى منطقة معينة يمكنهم مشاهدة فيديو عن تلك المنطقة.
• لعب الأدوار: يستخدم هذا الأسلوب لتعليم المواقف الاجتماعية والمواد الإنسانية وتعليم اللغات، بحيث يتم تصميم مشاهد تمثيلية من قبل المعلم والطلبة ويقوم الطلبة بتمثيل تلك المشاهد لممارسة استخدام اللغة ومناقشة المفاهيم والقضايا المختلفة. ويجب تدريب الطلبة دائماً على استخدام اللغة الفصحى والسليمة لأن هذا الأسلوب يهدف إلى وضع الطالب في موقف يقول من خلاله الشيء الصحيح بالطريقة الصحيحة.
• القراءة والاستيعاب: تهدف أنشطة القراءة للمحتوى التعليمي للمواد الدراسية المختلفة إلى فهم واستيعاب تلك المواد وتنفيذ الأنشطة المتعددة المرتبطة بها. ويجب أن يعمل المعلمون من خلال أنشطة القراءة على تنمية مهارات التفكير العليا المختلفة من تحليل وتركيب وتقويم. ويكون ذلك من خلال تنفيذ أنشطة عملية متنوعة كالتلخيص وإعداد التقارير والبحوث ومشاريع التعلم.
• التعلم بالاكتشاف: لكل إنسان اهتمامات بأشياء معينة من هذا العالم يعتقد بأنها مرتبطة بوجوده. وقد يؤدي اهتمام الطالب بشيء معين إلى أنواع مختلفة من الاكتشافات بسبب فضوله ودوافعه لأن يلبي حاجاته الداخلية. وإذا أفسحنا المجال للطلبة لأن يتتبعوا اهتماماتهم الخاصة فيجب أن نزودهم بالطرق الصحيحة لكي يحصلوا على إجابات لأسئلتهم، كما ينبغي تطبيق تقنيات تعليم تمكنهم من التوصل إلى المعرفة وابتكار نتاجات جديدة. بالإضافة إلى أهمية توظيف الكمبيوتر وبرمجياته المختلفة والإنترنت في عمليات البحث والاكتشاف.
فإذاً، قد يتعلم الإنسان أشياء كثيرة من خلال القراءة أو مشاهدة الأفلام أو سماع المعلومات أو غير ذلك من الطرق. ولكن ما يتم تعلمه من خلال الخبرات الحسية والعملية يكون أثره أعمق وأدوم في ذاكرة المتعلم، وأكثر إثارة لدافعيته وأكثر متعة وفعالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق